اختطاف الطفلة الصغيرة
قامت السيدة التي لم تتجاوز السابعة والعشرين من عمرها بارتداء ملابسها بسرعة كبيرة و أخبرت خادمتها الصغيرة صاحبة الثمانية عشر عاماً بأنها سوف تنزل لشراء شيء و ستغيب لمدة ساعة على الأكثر و شددت على ضرورة أن تنتبه للطفلة الصغيرة التي لم تتجاوز السبعة اشهر إذا ما استيقظت من نومها قبل مجيئها و إن كانت قد استبعدت هذا الأمر نظراً لأن الطفلة قد نالت رضعتها و ذهبت في نوم عميق للغاية.
رن جرس الهاتف و بسرعة قامت السيدة بالرد، و لكن المتحدث لم يجب و أغلق الهاتف سريعاً و لمحت السيدة رقم لم تعهده من قبل، فمطت شفتيها في دهشة و تركت الهاتف و انصرفت و حمدت الله أن الساعة لم تزل الرابعة عصراً و زوجها لن يعود قبل ساعتين من عمله.
أغلقت باب الشقة وراءها و هبطت إلى الأسفل عن طريق المصعد و بمجرد أن وصلت إلى مدخل العمارة حتى وجدت البواب و هو يغسل المدخل فقامت بالنداء عليه فجاء مسرعاً وهو ينشف يديه في ملابسه فقامت بتحيته و شددت على ضرورة تنظيف المكان جيداً و خصوصاً أن اليوم هو عيد ميلاد والدتها و أنها سوف تقيم احتفالية صغيرة لها بشقتها و لذلك تريد المدخل والسلالم في غاية النظافة و خصوصاً أن هناك عدد من الضيوف سوف يأتون وربما يتعطل المصعد كالمعتاد ويضطرون للصعود على السلالم، فقام البواب بالتأكيد على أنه سوف يقوم بأحسن عمل و بخاصة ٍ أنه قام بتنظيف السلالم كلها و لم يبق غير جزء بسيط للغاية من هذا المدخل و لن يحتاج سوى دقائق قليلة، وعندها طلبت السيدة منه أن يقوم بغسل سيارتها أيضاً لأنها متسخة للغاية و أنها لن تأخذها معها هذه المرة و سوف تستقل تاكسي و طمأنها البواب بأنه بعد تنظيف المدخل سوف يقوم بإصلاح حوض الزهور الموجود خلف العمارة و بعدها مباشرةً سوف يقوم بتنظيف السيارة، ثم طلب منها أن يعرف متى ستغادر قريبته و التي تعمل خادمة عندها، فأخبرته بأنها تعلم أن الاتفاق كان على أن تبقى الخادمة لمدة ثلاثة أيام متتالية و تذهب لبيتها في أجازة لمدة يوم كامل، و أن الأيام الثلاثة الماضية و هي أيام الجمعة و السبت و الأحد قد شهدوا عمل للخادمة و عليه فإن اليوم كان يجب أن تذهب لبيتها، و لكن ظروف حفلة عيد الميلاد هي فقط ما جعلها تنتظر و أخبرته بأنها سوف تتركها في اليومين القادمين لتذهب إلى بيتها، و هنا شدد البواب على هذا الأمر نظراً لأن عائلة الخادمة في شوق ٍ إليها، مطت السيدة شفتيها و قالت " مش مشكلة " و تركته بعد أن أعطته مبلغ نقدي و سألته عن زوجته و أبنائه و خصوصاً أنها تعرف أن ابنه الصغير بحاجة إلى عملية قريباً و أكدت على ضرورة غسل السيارة و أخبرته بأنها ستعود بعد ساعة و تريد أن تجد السيارة نظيفة، لكن البواب الصعيدي كان في عالم آخر يملؤه الغضب فهو يتذكر أنه من أحضر هذه الخادمة منذ أقل من عام واحد إلى هذه السيدة التي كانت في عام زواجها الأول و بعد عدة أشهر من العمل بدأت أسرة الخادمة تشكو له من تصرفات ابنتهم و بأنها تنفق الأموال التي تأخذها على ملابسها و مساحيق التجميل و أن سلوكها لم يعد كما هو، و لظروف وفاة الأب و عدم وجود شقيق و لأنها أكبر أخواتها الخمسة كانت تظن أنها سوف تتصرف كما يحلو لها، و لم يقف أمامها سواه فهو قريبها و تحديداً ابن عمها و أكثر من مرة هددها بأنه سيؤذيها بشدة ما لم تترك ما تفعله، لدرجة أنه ندم كثيراً على أنه أحضرها كخادمة عند هذه الأسرة الطيبة الكريمة و عندما تقدم البائع الذي يعمل في محل الأطفال الموجود بالعمارة لخطبتها منذ خمسة أشهر وافق على الفور من أجل أن يتخلص منها و كم يتمنى أن تتم الزيجة سريعاً، و خصوصاً أن هناك مكوجي جديد فتح منذ شهرين قرب العمارة و قام بإحضار شاب منذ شهر و نصف يقوم باستلام و توصيل الملابس لسكان العمارة و هو يشك في أن هذا الشاب يتودد إلى الخادمة الصغيرة و يشك في أن الخادمة تلهو معه و هذا الأمر يزعجه جداً و لولا حاجة السكان إلى هذا المكوجي لقام بمنع الشاب من دخول العمارة نهائياً و لكن ما باليد حيلة و مع ذلك فهو يضايقه بشدة على أمل ألا يحضر مرة أخرى، و سبب ضيقه هو شعوره بأن هذا الشاب يريد العبث فقط مع الخادمة و خصوصاً أنه سأل صاحب محل المكواة عن الشاب فأخبره بأنه لم يتجاوز التاسعة عشرة من عمره بالإضافة إلى أنه شخص جاهل لا يعرف القراءة و الكتابة و يسكن مع أسرته الفقيرة للغاية في قرية بعيدة بمحافظة الجيزة لدرجة أنه يتركه ينام أحياناً في المحل.
ألقى البواب بقطعة القماش التي يحملها بعصبية شديدة بعد أن لمح ذلك الشاب الذي يعمل عند المكوجي واقفاً عند الناصية المقابلة و ينظر إلى شرفة الشقة التي تعمل بها الخادمة و يمسك بسماعة الهاتف الموجود بالكشك الخشبي ، و ما أن خرج البواب من المدخل حتى اختفى ذلك الشاب لأنه يعلم كراهية البواب له، و أقسم البواب أنه لو رآه اليوم بالذات في العمارة فسوف يفتعل معه مشكلة حقيقية و لن يعاتبه أحد على ذلك و لولا حرص البواب على سمعة قريبته لفجر مشكلة معه منذ أكثر من أسبوعين، و عاد للعمل سريعاً حتى ينتهي من أعماله الكثيرة و علامات الغضب على وجهه.
توجهت السيدة إلى المحل الوحيد الموجود بالعمارة و هو خاص بلوازم الأطفال من أدوات و ملابس وغيرها، و قامت بطلب " ناموسية " ذات شكل معين و لكنها لم تكن موجودة فأخبرتها البائعة بأنها سوف تحضر لها ما تريد فوراً و أن عليها فقط الانتظار لمدة عشر دقائق حتى تطلب من زميلها البائع – خطيب الخادمة - أن يصعد إلى الغرفة الموجودة بسطح العمارة و التي يستخدمها المحل كمخزن صغير لأغراضه و يحضر لها ما تريد، و لكن السيدة قالت لها بأن الوقت ضيق و أنها سوف تأخذ " الناموسية " عند العودة و لكن عليها أن تجهزها و انصرفت بعد أن قامت بتحية البائع - خطيب الخادمة - و الذي كان يقوم بركن السيارة الخاصة بنقل لوازم المحل .
استقلت السيدة تاكسي و انصرفت، وهي تتمنى أن يظل المصعد سليم حتى لا تضطر والدتها و الضيوف لاستخدام السلالم، و عند الساعة الرابعة و النصف كان هناك شخص يقرع جرس الباب الخاص بالشقة و بمجرد أن فتحت الخادمة حتى دخل مسرعاً و أغلق الباب وراءه بهدوء و وضع بعض الأغراض التي كان يحملها و نظر للفتاة و قال لها " ستك هتغيب مدة كبيرة ؟ " فأجابت " نزلت من شويه و قالت ساعة بالكتير " فابتسم بخبث و قال " جه الوقت عشان ننفذ اللي اتفقنا عليه من فترة و بسرعة دي فرصة لأن ستك مش علطول بتسيب البت الصغيرة و تخرج أنا متابع الموضوع ده كويس ؟ " و لكن الخادمة كانت مرتبكة بشدة و مترددة لأقصى درجة و هي تحاول أن تثنيه عن هذا الأمر و لكنه أخبرها بأن الأمور سوف تسير على ما يرام و أن عليها فقط أن تنفذ دورها و إلا فسوف يلحق بها أشد الأذى و خصوصاً أن الديون المتراكمة عليه أصبحت طائلة و حلت مواعيد استحقاقها و عندما ظهر التردد على وجه الفتاة أمسك يدها بقوة و قال " اسمعيني بقى أحنا في الدور السابع و الأخير و الشقتين التانيين اللي ف الدور ده أصحابهم مسافرين يعني ما حدش ممكن يشوفني داخل عندك دلوقت، فهمتي، صحيح أنت بت مرووشة و بعدين البت الصغيرة هاخدها عند واحد صاحبي ساكن ف حتة بعيدة و هو اللي هيتصل و هيعمل الشغل كله "، و عندها توجهت الخادمة إلى غرفة نوم الصغيرة و هي تسأل هذا الشخص كيف سيأخذها و ينزل بها و ربما يشاهده شخص ما، فابتسم هذا الشخص و قال " يا بت ما تخافيش ما لو حد من السكان شافني طالع و لا نازل عادي يعني، ما هو شغلي بيخليني أطلع و أنزل علطول، و بيشوفوني كتير و طول اليوم و أنا عارف أزاي هخرج من العمارة بالبت من غير مشاكل خالص"، ثم تابع قوله عندما رأي ترددها المستمر " يا بت ما أحنا حاولنا نسرق قبل كدة من 3 شهور بس ما عرفناش نفتح الخزنة الحديد اللي عندهم و اللي كان ممكن يتسرق ما كانش يساوي التعب و المخاطرة انما المرة دي أحنا هنطلب نص مليون جنيه يعني ضربة العمر"، ثم توجه إليها و هو يخبرها بأنه سوف يضربها برفق على رأسها و وجهها حتى يبدو الأمر و كأن هناك من اقتحم الشقة و اختطف الصغيرة بعد أن ضرب الخادمة و بالفعل حاول أن يبدأ الخطة و حاول أن يجرح الخادمة و لكن الخادمة الصغيرة صرخت فجأة و قالت " لأ لأ أطلع بره أطلع بره " و لكنه وضع يده على فمها و هو يقول " هتودينا ف داهية هتودينا ف داهية ؟" و أمام ثورة الفتاة الهستيرية أطبق بيديه على عنقها و لم يتركها إلا بعد أن لفظت أنفاسها، ثم تراجع للوراء مذعوراً و بعد دقائق قليلة تمالك نفسه و توجه إلى الصغيرة و حملها بهدوء و توجه إلى باب الشقة و أعد عدته في دقائق و فتح الباب بحذر شديد جداً بعد أن تأكد من عدم وجود شخص و توجه صوب المصعد و هبط به و هو لا يصدق أن السيناريو الذي رسمه قد تحول إلى حقيقة و بالفعل تهجم على الفتاة بل و قتلها و نظر إلى ساعته فوجدها الخامسة و عشر دقائق تقريباً.
عادت السيدة من مشوارها عند الخامسة و النصف تقريباً و مرت على محل الأطفال و سألت عن متطلباتها و لكن البائعة أخبرتها بأسى بأن البضاعة الموجودة بالمخزن لم تكن بالمواصفات المطلوبة و بأن البائع قد ذهب إلى المحل الآخر ليبحث عن طلباتها بعد أن بحث كثيراً في المخزن و لم يجد طلباتها.
دخلت السيدة العمارة بعد أن تأملت البواب و هو يقوم بتنظيف سيارتها و يخبرها بصوته العالي بأنه بدأ للتو في تنظيف السيارة بسبب إصلاح حوض الزهور الخلفي الذي استغرق أكثر من ساعة و باستطاعتها أن ترى هذا الحوض الآن، فقامت السيدة بالضحك و أخبرته بأنه لا توجد مشكلة و عليه فقط أن ينتهي من السيارة الآن، و صعدت إلى الشقة عن طريق السلالم حتى تتأكد من نظافتها و بالفعل كانت سعيدة بالنظافة العالية للمدخل و السلم، و ما أن اقتربت من شقتها حتى وجدت رنين الهاتف لا ينقطع و ما أن ينتهي حتى يعاود من جديد و كأن من يتصل يصر على يجد أهل البيت و تعجبت من عدم رد الخادمة و ظنت أنها نائمة فدخلت للشقة مسرعة و ما أن ردت حتى وضع المتحدث سماعة الهاتف، و بالتالي وضعت السيدة سماعة الهاتف هي الأخرى و هي تتعجب من هذه التليفونات و دخلت إلى الغرفة لتجد ما حدث.
في اليوم التالي رن الهاتف النقال للزوج و جاء صوت غليظ يخبره بأن طفلته معه و أنه لو أخبر الشرطة بأمر هذه المكالمة فسوف يفقد الطفلة للأبد، و قام الزوج بالتظاهر بالموافقة و أخبر الشرطة التي توصلت في تحرياتها المبدئية إلى أن الفتاة ليس لها علاقة مع أحد في هذه المنطقة الهادئة بسبب قريبها المتشدد و الذي يعمل بواب و يفرض حصار قوي عليها بالإضافة إلى أنه لا يسمح لأي شخص غريب بدخول العمارة إلا بعد التأكد من شخصيته و إلى أين يتجه أو لو كان بصحبة أحد السكان و برغم ذلك فقد شوهدت الخادمة أكثر من مرة مع الشاب المكوجي في شوارع قريبة في الأسبوعين الماضيين كما أن هناك خطيبها البائع الذي يعمل في محل مستلزمات الأطفال بالعمارة .
و أصبحت الشرطة في حيرة و لكنها وضعت البواب و المكوجي و البائع في دائرة الاتهام، و أما الزوج فقد أصبح يخشى أن تتأخر الشرطة في الوصول إلى الخاطفين و بالتالي يفقد الطفلة للأبد، و أصبح التساؤل من قتل الخادمة و خطف الطفلة و كيف حدثت الجريمة.؟